أريد
أن أكون قوياً كامرأة
من المؤسف أن نصل إلى القرن العشرين و لا زال البعض منا
متخلفاً في القرون المظلمة. التواريخ ليست إلا أرقام إن كانت لا ترتقي بفكر البشر,
فلا فرق بين إنسان القرن العشرين و إنسان الكهوف من القرون الأولى, إن كان فكر الأول
متحجراً كقساوة تلك الكهوف. جيل اليوم يحضا بقدر وافر من التعليم, لكن للأسف يبدوا
أن هذا التعليم لم يتجاوز حد الورقة و القلم. فكل يوم نصطدم بحوادث تثبت لنا أن
الكثير متعلم "أكاديمياً" و متخلف "فكرياً". لا فائدة من
التعليم إن كان وسيلة لأكل العيش فقط. و لا خير في دين الرجل, إن كان ينتهي بنهاية
حصة فقه يلقيها على الطلاب. من أهم صور هذا التخلف الفكري هو احتقار المرأة, أو
على الأقل عدم إعطائها منزلتها التي تستحقها.
ناهيك عن الفضائل الدينية التي حظيت بها المرأة, فهي من
المسلمات و ليست محل جدال. ففي نظرة سريعة على روتين المرأة المنتجة اليومي, نجد
أنها تستيقظ قبل الفجر, تعد الإفطار لزوجها, تجهز أبنائها للمدارس, ثم تتوجه هي
إلى عملها بكل مصاعبه. ابتداءً من مصاعب المواصلات و الذهاب و العودة, إلى مشاكل
العمل الاعتيادية. ثم إن عادت إلى بيتها, عليها أن تضع كل ذلك جانباً, ليبدأ عندها
"شفت" العمل المسائي, فتعد الطعام, و تغسل و تكنس و قهوة المغرب و
الشباب بيجون, إلى آخر ذلك من الأمور الغير مناطة بها شرعاً. "قال العلامة ابن نجيم الحنفي رحمه الله تعالى في
البحر الرائق: لأن المرأة لا يجب عليها
طاعة الزوج في كل ما يأمر به، إنما ذلك فيما يرجع إلى النكاح وتوابعه خصوصاً إذا
كان في أمره إضرار بها." (1) و مع ذلك كله, لا تجدها تتلكأ, و تفعل كل ذلك تفضلاً
و كرماً منها. هل أستطيع أنا فعل كل ما تفعل المرأة في يومها؟ لا, لا أعتقد فأنا
أفقد أعصابي لمجرد ازدحام مروري, أو حتى بسبب ظروف الطقس. لذلك أتمنى أن أكون
صبوراً كامرأة, و أتمنى أن أكون كريماً كامرأة.
في
دراسة قدمت من “Ponemon Institute research” و نشرت على صحيفة
الديلي ميل البريطانية (2), كانت نتيجتها أن النساء يعملن بشكل أفضل و أكثر اجتهاداً
من الرجال. دراسات أخرى وردت في صحف كبرى مثل التيليغراف (3) و هوفينغتون (4) بوست
كان مفادها أن النساء أكثر صدقاً من الرجال و أكثر التزاماً بالأخلاق و القيم. أنظر
المراجع نكاد نسمع كل يوم عن قصص فسادٍ ذكورية. نسمع مقاول لم يخلص في إنجاز
مشروعٍ ما, أو عن قاضٍ مرتشي, أو عن موظف مختلس. لكن هل سمعت يوماً عن موظفة بنك
تتجسس على أرصدة العملاء؟ أو سمعتم عن طبيبة خصصت غرف و أسِرَّة المستشفى للعائلة
و الوجاهات و تركت المراجعين يفترشون طرقات المستشفى؟ هل سمعتم عن مديرة مدرسة اختلست
أموال الميزانية أو سرقت أموال عمال التنظيف؟ بالعكس تماماً, أنا سمعت عن معلمات اشتروا
مولدات كهرباء و مكيفات لمدرستهن التي لم تصلها الكهرباء بعد, و مدرسة البنين على
بعد 1 كيلو متر فقط تنعم بالماء و الكهرباء. و تصدم, و على عكس ما ترى, بأنك إذا
دخلت لمدرسة البنين, خلت نفسك لثانية في حراج, فالطلاب يسرحون و يمرحون و المبنى
شبه متهالك. و قس على ذلك القصص. فلذلك, أتمنى أن أكون صادقاً كامرأة, و أتمنى أن
أكون مخلصاً في عملي كامرأة.
بعد
كل هذا, تجد أن رجالاً لازالوا يتعالون على المرأة. فاعلم ياماً غرتك ذكورتك, أنت
خرجت من امرأة, و اشتد عودك من لبن امرأة, بكَيتَ و كفكفت دٌموعٌكَ امرأة, مَرِضتَ
و سَهِرت ترعاك امرأة, كبرت و طِشتَ و كانت تدعوا لك امرأة, و انتقلت في حياتك من طفل في حضن امرأة إلى زوج في عش امرأة, فاعترف!
فَلَستَ تَستَقِيمُ إلا بامرأة!
ملاحظة:
لم يكتب هذا المقال كرد على الشيخ علي المالكي, فهذا المقال تم البدء فيه منذ فترة
و لم يتم نشره في هذا الوقت لغرض ركوب الموجة سواءً مع أو ضد.
المراجع