الاثنين، 15 يونيو 2015

يوميات مبتعث 5 - ذلك الخوف وتلك اللهفة !



منذ أن بدأت دراستي الجامعية ووزني في ازدياد، كنت في بادئ الأمر أردد ساخراً أن زيادة وزني متناسبة طردياً مع الزيادة في محصولي العلمي. إلى أن استفحل الأمر وأصبحت أرى آثار الزيادة في الوزن تؤثر على مستوى الطاقة لدي، إلى أن أصبحت أشبه بجثة هامدة لا تكاد تتحرك إلا للضرورة. لا أكاد أفتح كتاباً أو أراجع درساً إلا وبالخمول يداهمني من كل جانب. حينها أدركت أنني كنت أرتكب خطأً فادحاً بحق نفسي عندما كنت أسخر وأربط سمنتي بازدياد المحصول العلمي وانهماكي بالدراسة. فالسمنة وقلة الحركة هي أحد أكثر العوامل التي تؤثر سلباً على الدراسة. ندمت حينها بل وأشعر بالندم حتى الآن، ذلك أنني لم أبدأ بمعالجة المشكلة حين بدأت وتركتها تتفاقم حتى بدأت أقلق على مستقبلي في كل لحظة. صراحة لم أكن أتجاهلها بالكامل، بل كنت أفكر في حلها كل لحظة وكثرة التفكير فيها وقلة التنفيذ وانعدام الالتزام ساهمت أيما مساهمة في إصابتي بالإحباط. كنت دوما ما أفكر في وضع حدٍ لمشكلة السمنة، وأرسم خطة مستقبلية كل يوم قبل النوم وأقنع نفسي بأن غداً هو اليوم المنشود الذي سيشهد على بداية النهاية لتلك السمنة الكئيبة. ذهبت الأيام والشهور والسنين وذلك الغد لم يأت بعد. بدأت أشعر فعليا بأنني سأكمل بقية حياتي على ما أنا عليه من وزن زائد وضخامة زائفة، حاولت إقناع نفسي بأن هذ هو مصيري وقدري أن أعيش سميناً، لكن ماضِيَّ النحيل لم يزل يراودني قبل كل وجبة وقبل كل منام. أحمد الله أنني عندما فقدت "التنفيذ والعزيمة" لم أفقد " التطلع والحنين إلى الماضي الجميل".
               خلال هذه الفترة من حياتي اكتشفت أنني أفضل مخطط وأسوء منفذ. أفضل من يعد الخطط ويرسم المستقبل ويضع الحلول، لكنني في الناحية الأخرى أبطأ من يبدأ وأشره من يأكل وأكسل من يمشي. كل تلك الأفكار بدأت في الضغط علي، لم أستمتع بأي وجبة أكلتها بالرغم من أنني تعلمت الطبخ وأصبحت علماً بذلك في محيطي الصغير. لم أهنأ بأي لقمة أكلتها بالرغم من أنني آخر من يقوم على المائدة. اكتشفت مدى التناقض الذي أعيشه، اكتشفت عيوبي واقتنعت بها على مضض، علمت بأني بأمس الحاجة إلى من يكملني. كم كنت مقتنعاً بقدرتي على فعل كل شيء بنفسي، ولا أكذب حين أقول كنت ولا زلت بارعاً في ذلك. لكن مع زيادة الحمل علي، اكتشفت خطأ ما اعتقدت. زيادة الحمل النفسي لرغبتي في إنهاء الدراسة الجامعية، زيادة الحمل المادي بازدياد وزني، وإحساسي بغلاء الدّين الذي أحمله لوالِدَيّ والذي لا ينحصر فقط بالثمن الذي دفعاه من عمر ومال من أجل تحصيلي العلمي والإخلاص في تربيتي بل يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك. أشعر بذلك الدّين في كل لحظة أنظر فيها إلى والدي الذي أثقلته مشاغل الحياة وتركت الشمس على بشرته المضيئة بصماتها، في كل لحظة أرى فيها والدتي التي حَمَلَت وتَحَمَّلت ونزلت وتنازلت. في كل لحظة أُبصر فيها أنني قُدوة لإخوتي الصغار، وأني أشكل مستقبلاً يعولون عليه كما شكل والِدَيَّ مستقبلاً مزهراً لإخوتهم في صغرهم.
               كم أخاف أن أخذلهم يوماً ما، كم أخاف أن يخفت ذلك النجم الذي تعب والداه في تربيته، كم أخاف أن أهدم جبلاً شامخاً قد بنوه، كم أخاف أن يقول الناس "كان صراحاً من خيال فهوى. لكن بقدر الخوف الذي يتلبسني كم أتطلع بلهفة إلى ذلك اليوم الذي يتوسط والدي المجلس و يشير إلي بالبنان، كم أتطلع إلى ذلك اليوم الذي تقول والدتي فيه هذا عبدالله من لحمي و دمي، كم أتطلع شوقاً لذلك اليوم حين يتفاخر إخوتي قائلين لنا أخٌ كريم و ابن أبٍ كريم.


-------

عبدالله سعيد الرفاعي
Twitter @alrefaie99