الأحد، 29 مارس 2015

يوميات مبتعث 4 - وجـ"ع"ـات نظر!




     في بلاد بعيدة, خلف المحيطات, أقصى من مرمى البصرو مغرب الشمس. بلاد أبعد من قصص الأساطير, و أحدث من الغزوات و أيام الهجير. هنالك طلاب مغتربون, لا ينتسبون إلى ثقافة المواطنين, ولا يتحدثون لغة أهل البلد!
في موطنهم الأصلي, الكل يغبطهم كونهم في أرض الحرية و الجمال. يتمتعون ببياض الثلج, و بهجة الربيع, و جمال ألوان الخريف. الكل يغبطهم لكون طرقهم واسعة, الكل يغبطهم لكون جامعاتهم رائدة, و الكل يغبطهم لركوبهم موجة التغيير و معاصرتهم زمن التقدم. في نفس الوقت موطنهم و شعوبهم تعول عليهم أيما آمال, و تعلق عليهم جمَّ الطموحات.
    الكل يراهم في نعيم, و يتمنى لو كان في مكان أحدهم. كثرٌ من لا يعتقد بشعورهم بالحنين, لا سيَّما و التقنيات الحديثة قصرت المسافات, و لمّت شمل المحبين. غالباً ما يُنظر إليهم و كأنهم في نزهة سفر, و أن دراستهم في متناول الأيدي. غالباً ما تروى قَصَصُهُم من خلال صورهم, و ما يحكى عنهم يستمد من مقاطعهم اللتي يبثونها. على الأقل هذا ما يردني من "وجعات" نظر!
     لنتفق على شيء ما, غالباً يكون من المستحيل أن تطلق وصفاً دقيقاً و صحيحاً على حالة ما من دون أن تتعرض شخصياً لتلك الحالة. ناهيك عن كون كثير من مَن يطلقون الآراء اليوم هم ليسوا إلا مجرد أشخاصٍ ملؤوا الدنيا بأفكارهم السطحية, اللتي لا تكاد أن تطفوا, حتى تغرق مجدداً.
      نعم كنت أتحدث عن المبتعثين, و ما يتعرض كثير منهم بين الفينة و الأخرى من وجعات نظر من يعادون هذه الفكرة. أتعلمون ماذا؟ لن أتحدث عنهم, فلست بحاجة أن أذكر كم من الوقت أحتاج لأتخلص من تلك الأفكار اللتي تهاجمني عن الحياة لأقنع تلك المجموعة. لست بحاجة أن أذكر نوبات الأرق, و الثقل الملقى على عاتقي كي أنجح و أعود لرفع رأس والِدَيّ و أدحض تلك الشائعات عن كوني أقضي وقتاً ممتعاً. لست بحاجة أن أقنع أحداً أن أغلب أحاديث المبتعثين تدور حول مجموعات الدراسة و المواد و مدى تقدمهم دراسياً. لا أحتاج أن أثبت لهم أن عبارات مثل "الله يخلي السعودية بس" و " متى نرجع و نرتاح" تكاد تسيطر على الحوارات اليومية. لست بحاجة أن أثبت كم من الجهد تبذل الأغلبية العظمى لتعكس صورة لبقة, حسنة, و جميلة عن ديننا و وطننا, و هو الامر اللذي يأخذ الكثير من الجهد و قد يتدمر بتصرف فردي أخرق من هذا الشخص أو ذاك. المصيبة أن تتعامى الأعين عن كثيرٍ من التصرفات الحميدة و تنصرف إلى تصرفات فردية طائشة لتعمم على الكل.
     أعتقد أنني فعلاً تحدثت, بل و تحدثت كثيراً! عموماً, لم أستطع أن أوقف أصابعي عن الكتابة. الآن تعرفون لماذا لم أرد التحدث منذ البداية, أصحاب وجـ"ع"ـات النظر أبداً لا يتعلمون.
نيابة عن المبتعثين اقول, انتظرونا فلن نخذل أحداً فيكم!

يوميات مبتعث 3 - الـحريـة قد تـكون وسيلــة للقمــع!

أحياناً, لتحكم سيطرتك على مجموعة ما كل ما عليك فعله هو إعطاؤهم ما يريدون. في بلاد خلف البحار, الكل يريد الحرية, و حرية الرأي و التعبير تحديداً. الشعب هنالك يقاتل من أجل حريته, يا ألهي كم من الإصرار يملكه ذلك الشعب في المطالبة بحقوقه. إن أعطت الحكومة الحرية للشعب في قول ما يريدون بلا قيود أو حواجز, سيعتقد الشعب أن صوته سيصل للجميع و أن مطالبهم ستكون محط أنظار الكل. في الحقيقة, لكي تتحكم في أراء الناس و تستمر في فعل ما تريده أنت, كل ما عليك فعله هو إعطاؤهم ما يريدون, أعطهم حرية التعبير, حينها ستضيع أصوات المحقين في الزحام و لن يسمعها أحد. سيبدأ الجميع في الكلام, المفكر, الطبيب, اللص, مبتز النساء, المختل عقلياً, و حتى ذلك الشخص اللذي لا تستطيع إعطاؤه الثقة في أتفه الأمور. الجميع يملك الحرية فيما يقول, و لكن إن تحدث الجميع فمن يسمعهم إذاً؟ في هذه الحالة, الحكومة أعطت الشعب ما يرونه "حرية", و تمتع جميع أفراد الشعب بتلك "الحرية", و مضت تلك الحكومة بما تفعل و الشعب يستمتع بحرية الزحام.
إذا, مالحل؟ كيف يستطيع الشعب أن يوصل صوته و مطالبه متفادياً تلك المراوغات الحكومية؟ بكل بساطة, مجلس مكون من جميع أبناء البلد و أطيافهم و انتمائاتهم كفيل بإيصال تلك الأصوات و المطالبات للحكومة. و كفيل أيضاُ برفع المستوى الثقافي و الشكل العام لذلك الشعب. رجل رشيد من كل قبيلة, طبقة و توجه, كفيل بإيصال صوت العامة. هذه الفكرة تتقاطع مع مجلس الشورى في بلدي في كثير من الزوايا, بغض النظر عن آلية التنفيذ و هل تتفق معها أو لا.
أخيراً, ما فعلته حكومة ما خلف البحار, أنها أتاحت للجميع الحديث, حتى اختلطت أصوات المحقين بالمرجفين لتكوّن مزيجاً مزعجاً من الضجيج, و لتختفي الأصوات المحقة و تموت في الزحام. ساوت صوت من أفنى عمره في العلم, بصوت اللص مثلاً. ساوت صوت من أفنى سنينه عملاً و جهداً, بمن فشل في حياته و لم يمتلك عملاً يوماً من الأيام. كم ذكية تلك الحكومة, تحب شعبها جداً. إن كانت هذه هي الحرية, فهي ليست إلا طريقة عبقرية للقمع!